كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: لم بين تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سببًا لاجتماع الناس على الكفر فلِمَ لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير سببًا لاجتماع الناس على الإسلام؟
أجيب: بأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام لطلب الدنيا وهذا الإيمان إيمان المنافقين فاقتضت الحكمة أن لا يجعل ذلك للمسلمين حتى أن كل من دخل في الإسلام يدخل لمتابعة الدليل ولطلب رضوان الله تعالى.
{ومن يعش} أي: يعرض {عن ذكر الرحمن} أي: الذي عمت رحمته فلا رحمة على أحد إلا وهي منه تعالى كما فعل هؤلاء حين متعناهم وأباءهم حتى أبطرهم ذلك وهو شيء يسير جدًا، فأعرضوا عن الآيات والدلائل فلم ينظروا فيها إلا نظرًا ضعيفًا كنظر من عشا بصره وهو من ساء بصره بالليل والنهار {نقيض} أي: نسبب {له} عقابًا على إعراضه عن ذكر الله تعالى: {شيطانًا} أي: شخصًا ناريًا بعيدًا من الرحمة يكون غالبًا عليه محيطًا به مثل قيض البيضة وهو القشر الداخل {فهو له قرين} أي: مشدود به لا يفارقه فلا يمكنه التخلص منه ما دام متعاميًا عن ذكر الله تعالى، فهو يزين له العمى ويخيل إليه أنه على عين الهدى كما أن من يستبصر بذكر الرحمن يسخر له ملك فهو له ولي يثيره إلى كل خير، فذكر الله تعالى حصن حصين من الشيطان الرجيم متى خرج العبد منه أسره العدو كما ورد في الحديث.
{وإنهم} أي: القرناء {ليصدونهم} أي: العاشين {عن السبيل} أي: الطريق الذي من حاد عنه هلك لأنه لا طريق له في الحقيقة سواه {ويحسبون} أي: العاشون مع سيرهم في المهالك لتزيين القرناء بإحضار الحظوظ والشهوات وإبعاد المواعظ {أنهم مهتدون} أي: غريقون في هذا الوصف لما يستدرجون به من التوسعة عليهم والتضييق على الذاكرين.
تنبيه:
ذكر الإنسان والشيطان بلفظ الجمع لأن قوله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا} فهو له قرين يفيد: الجمع وإن كان اللفظ على الواحد، قال أبو حيان: الظاهر أن ضميري النصب في وأنهم ليصدونهم: عائدان على مَنْ من حيث معناها وأما لفظها أولًا فأفراد في له وله ثم راعى معناها فجمع في قوله تعالى: {وإنهم ليصدونهم} والضمير المرفوع على الشيطان لأن المراد به: الجنس ولأن كل كافر معه قرينه، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: بفتح السين والباقون بكسرها وقرأ:
{حتى إذا جاءنا} نافع وابن عامر وأبو بكر: بمد الهمزة بعد الجيم على التثنية أي: جاء العاشي والشيطان، والباقون بغير مد إفراد أي: جاء العاشي {قال} أي: العاشي تندمًا وتحسرًا لا انتفاع له به لفوات محله وهو دار العمل {يا ليت بيني وبينك} أي: أيها القرين {بعد المشرقين} أي: ما بين المشرق والمغرب على التغليب قاله ابن جرير وغيره، أو مشرق الشتاء والصيف أي بعد أحدهما عن الآخر ثم سبب عن هذا التمني قوله جامعًا له أنواع المذام {فبئس القرين} والمخصوص بالذم محذوف أي: أنت لأنك الذي قد أضللتني وأوصلتني إلى هذا العيش الضنك والمحل الدحض قال أبو سعيد الخدري: «إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصيرا إلى النار» وفي فاعل قوله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم} قولان أحدهما: أنه ملفوظ به وهو أنكم وما في حيزها والتقدير: ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب بالتأسي كما ينفعكم الاشتراك في مصائب الدنيا فيتأسى المصاب بمثله ومنه قول الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ** على موتاهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن ** أعزي النفس عنه بالتأسي

والثاني: أنه مضمر فقدره بعضهم ضمير التمني المدلول عليه بقوله: {يا ليت بيني} أي: لن ينفعكم تمنيكم البعد وبعضهم اجتماعكم وبعضهم ظلمكم وجحدكم، وعبارة من عبر بأن الفاعل محذوف مقصوده الإضمار المذكور لا الحذف إذ الفاعل لا يحذف إلا في مواضع ليس هذا منها والمعنى: ولن ينفعكم اليوم في الآخرة {إذ ظلمتم} أي: أشركتم في الدنيا {أنكم في العذاب مشتركون} أي: لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب كما كنتم تشتركون في الدنيا.
تنبيه:
استشكل المعربون هذه الآية ووجهه أن قوله تعالى: {اليوم} ظرف حالي وإذ ظرف ماضي وينفعكم مستقبل لاقترانه بلن التي لنفي المستقبل، والظاهر أنه عامل في الظرفين وكيف يعمل الحدث المستقبل الذي لم يقع إلا بعد في ظرف حالي وماض هذا مما لا يجوز؟
أجيب: عن أعماله في الظرف الحالي على سبيل قربه منه لأن الحال قريب من الاستقبال فيجوز في ذلك قال تعالى: {فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} (الجن:) وقال الشاعر:
سأسعى الآن إذ بلغت أباها ** وهو إقناعي وإلا فالمستقبل

يستحيل وقوعه في الحال عقلًا وأما قوله تعالى: {إذ} ففيها للناس أوجه كثيرة قال ابن جني: راجعت أبا علي فيها مرارًا كثيرة فآخر ما حصلت منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه، فإذ بدل من اليوم حتى كأنها مستقبلة أو كان اليوم ماض وإلى هذا نحا الزمخشري قال: وإذ بدل من اليوم، وحمل الزمخشري على معنى إذ تبين وصح ظلمكم ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين ونظيره:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

أي: تبين أني ولد كريمة.
ولما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم بالصمم والعمى بقوله تعالى: {أفأنت} أي: وحدك من غير إرادة الله تعالى: {تسمع الصم} وقد أصممناهم بما صببنا في مسامع أفهامهم من رصاص الشقاء {أوتهدي العمي} الذين أعميناهم بما غشينا به أبصار بصائرهم من أغشية الخسارة روي أنه صلى الله عليه وسلم «كان يجتهد في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا تصميمًا على الكفر وعنادًا في الغي فنزلت». أي: هم في النفرة عنك وعن دينك بحيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالصم وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالعمي وقوله تعالى: {ومن كان} أي: جبلة وطبعًا {في ضلال مبين} عطف على العمي باعتبار تغاير الوصفين، وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى بين في نفسه أنه ضلال وأنه محيط بالضال، يظهر لكل أحد ذلك فهو بحيث لا يخفى على أحد فالمعنى: ليس شيء من ذلك إليك بل هو إلى الله تعالى القادر على كل شيء وأما أنت فليس عليك إلا البلاغ فلا تتعب نفسك.
{فإما نذهبن بك} أي: من بين أظهرهم بموت أو غيره وما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة {فإنا منهم} أي: من الذين تقدم التعريض بأنهم صم عمي ضلال لم تنفعهم مشاعرهم {منتقمون} أي: بعد فراقك لأن وجودك بين أظهرهم هو سبب تأخير العذاب عنهم.
{أو نرينك} وأنت بينهم {الذي وعدناهم} أي: من العذاب وعبر فيه بالوعد ليدل على الخير بلفظه وعلى الشر بأسلوبه {فإنا} أي: بما لنا من العظمة التي أنت أعلم الخلق بها {عليهم} أي: على عقابهم {مقتدرون} على كلا التقديرين، وأكد بأن لأن أفعالهم أفعال من ينكر قدرته وكذا بالإتيان بنون العظمة وصيغة الافتعال.
{فاستمسك} أي: اطلب وأوجد بجد عظيم على كل حال من أحوال الإمساك {بالذي أوحى إليك} من حين نبوتك إلى الآن في الانتقام منهم وفي غيره {إنك على صراط} أي: طريق واسع واضح جدًا {مستقيم} أي: موصل إلى المقصود لا يصح أصلًا أن يلحقه شيء من عوج.
{وإنه} أي: الذي أوحى إليك في الدين والدنيا {لذكر} أي: لشرف عظيم جدًا وموعظة وبيان {لك ولقومك} قريش خصوصًا لنزوله بلغتهم والعرب عمومًا وسائر من اتبعك ولو كان من غيرهم روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك قال: لقريش». وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان». وروى معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين». وقال مجاهد: القوم هم العرب فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم، وقيل: ذكر لك بما أعطاك من الحكمة ولقومك من المؤمنين بما هداهم الله تعالى به {وسوف تسألون} أي: عن القرآن يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له، وقال الكلبي: تسألون هل أديتم شكر إنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل، وقال مقاتل: يقال لمن كذب به لم كذبت؟ فيسأل سؤال توبيخ وقيل: يسألون هل عملتم بما دل عليه القرآن من التكاليف. وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى إلى السموات العلى بعث له آدم وولده من المرسلين عليهم السلام فأذن جبريل عليه السلام ثم أقام وقال: يا محمد تقدم فصل بهم، فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل عليه السلام:
{واسأل من أرسلنا} أي: على ما لنا من العظمة {من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن} أي: غيره {آلهة يعبدون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أسأل قد اكتفيت ولست شاكًا فيه. وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وأبي زيد: قالوا جمع له الرسل ليلة أسري به وأمر أن يسألهم فلم يسأل ولم يشك. وقال أكثر المفسرين: سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء عليهم السلام هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد وهو قول مجاهد وقتادة والسدي، ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم على واحد من القولين لأن المراد من الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول من الله تعالى ولا كتاب بعبادة غير الله تعالى.
ولما طعن كفار قريش في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبكونه فقيرًا معدمًا عديم الجاه والمال بين الله تعالى أن موسى عليه السلام بعد أن أورد المعجزات القاهرة التي لا يشك في صحتها عاقل أورد عليه فرعون هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال تعالى: {ولقد أرسلنا} أي: بما ظهر من عظمتنا {موسى} أي: الذي كان يرى فرعون أنه أحق الناس بعظمته لأنه رباه وكفله {بآياتنا} التي قهر بها عظماء الخلق وبجابرتهم فدل ذلك على صحة دعواه {إلى فرعون} الذي ادعى أنه الرب الأعلى {وملائه} أي: القبط {فقال} أي: بسبب إرسالنا {إني رسول رب العالمين} أي: مالكهم ومدبرهم ومربيهم فقالوا له: ائت بآية فأتى بها.
{فلما جاءهم بآياتنا} أي: بآيتي اليد والعصا اللتين شاهدوا فيهما عظمتنا ودلهم ذلك على قدرتنا على جميع الآيات {إذا هم} أي: بأجمعهم {منها يضحكون} أي: فاجؤا المجيء بها من غير توقف ولا تأمل بالضحك سخرية واستهزاء، قيل: إنه لما ألقى عصاه صارت ثعبانًا فلما أخذه وصار عصا كما كانت ضحكوا.
ولما أعرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا:
{وما} أي: والحال إنا ما {نريهم} على ما لنا من الجلال والعلو وأغرق في النفي بإثبات الجار فقال تعالى: {من آية} أي: من آيات العذاب كالطوفان وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام والجراد وغير ذلك {الا هي أكبر} أي: في الرتبة {من أختها} أي: التي تقدمت عليها بالنسبة إلى علم الناظرين لها {وأخذناهم} أي: أخذ قهر وغلبة {بالعذاب} أي: أنواع العذاب كالدم والقمل والضفادع والبرد الكبار الذي لم يعهد مثله ملتهبًا بالنار وموت الإبكار فكانت آيات على صدق موسى عليه السلام بما لها من الإعجاز، وعذابًا لهم في الدنيا موصولًا بعذاب الآخرة فيا لها من قدرة باهرة وحكمة ظاهرة {لعلهم يرجعون} أي: ليكون حالهم عندنا إذا نظرهم الجاهل بالعواقب حال من يرجى رجوعه.
{و} لما عاينوا العذاب {قالوا} لموسى أي: قال فرعون بالمباشرة وأتباعه بالموافقة له: {يا أيها الساحر} فنادوه بذلك في تلك الحالة لشدة شكيمتهم وفرط حماقتهم، أو لأنهم كانوا يسمون العالم الماهر ساحرًا {ادع لنا ربك} أي: المحسن إليك بما يفعل معك من هذه الأفعال التي نهيتنا بها إكرامًا لك {بما} أي: بسبب ما {عهد عندك} أي: من كشف العذاب عنا إن آمنا {إننا لمهتدون} أي: مؤمنون.
{فلما كشفنا} أي: على ما لنا من العظمة التي ترهب الجبال {عنهم العذاب} أي: الذي أنزلناه بهم {إذا هم ينكثون} أي: فاجؤا الكشف بتجدد النكث بإخلاف بعد إخلاف.
{ونادى فرعون} أي: زيادة على نكثه {في قومه} أي: الذين هم في غاية القيام معه وأمر كلًا منهم أن يشيع قوله إشاعة تعم البعيد والقريب فتكون كأنها مناداة إعلامًا بأنه مستمر على الكفر لئلا يظن بعضهم أنه رجع فيرجعون.
ولما كان كأنه قيل: بم نادى أجاب بقوله: {قال} أي: خوفًا من إيمان القبط لما رأى من أن ما شاهدوه من باهر الآيات مثله يزلزل ويأخذ القلوب {يا قوم} مستعطفًا بإعلامهم أنهم لحمة واحدة ومستنهضًا بوصفهم بأنهم ذو قوة على ما يحاولنه مقررًا لهم على عذره في نكثه بقوله: {أليس لي} أي: وحدي {ملك مصر} أي: كله فلا اعتراض علي من بني إسرائيل ولا غيرهم {وهذه} أي: والحال أن هذه {الأنهار} أي: أنهار النيل قال البيضاوي: ومعظمها أربعة: نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس، وقال البقاعي: كأنه كان قد أكثر من تشقيق الخلجان إلى بساتينه وقصوره ونحو ذلك من أموره فقال: {تجري من تحتي} أي: تحت قصري أو أمري أو بين يدي في جناني وزاد في التقرير بقوله: {أفلا تبصرون} أي: هذا الذي ذكرته لكم فتعلموا ببصائر قلوبكم أنه لا ينبغي لأحد أن ينازعني، وهذا لعمري قول من ضعفت قواه وانحلت عراه.
{أم أنا خير} أي: مع ما وصفت لكم من ضخامتي وما لي من القدرة على إجراء المياه التي بها حياة كل شيء {من هذا} وكنى بإشارة القريب عن تحقيره ثم وصفه بما يبين مراده بقوله: {الذي هو معين} أي: ضعيف حقير ذليل لأنه يتعاطى أموره بنفسه وليس له ملك ولا قوى يجري بها نهرًا ولا ينفذ بها أمرًا {ولا يكاد يبين} أي: لا يقرب من أن يعرب عن معنى من المعاني لما في لسانه من الحبسة، فلا هو قادر في نفسه ولا له قوة بلسانه على تصريف المعاني وتنويع البيان ليستجلب القلوب وينعش الألباب فتكثر أتباعه ويضخم أمره، وقد كذب في جميع قوله فقد كان موسى عليه السلام أبلغ أهل زمانه قولا وفعلًا بتقدير الله تعالى الذي أرسله له وأمره إياه ولكن اللعين أسند هذا إلى ما بقي في لسانه من الحبسة تخييلًا لاتباعه لأن موسى عليه السلام ما دعا بإزالة جميع حبسته بل بعقدة منها فإنه قال: {واحلل عقدة من لسان يفقهوا قولي}.
تنبيه:
في أم من قوله أم أنا خير أقوال؛ أحدها: أنها منقطعة فتقدر ببل التي لإضراب الانتقال وبالهمزة التي للإنكار، والثاني: أنها بمعنى بل فقط كقوله:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ** وصورتها أم أنت في العين أملح

أي: بل أنت، الثالث: أنها منقطعة لفظًا متصلة معنى قال أبو البقاء: أم هنا منقطعة في اللفظ لوقوع الجملة بعدها في اللفظ وهي في المعنى متصلة معادلة إذ المعنى: أنا خير منه أم لا وأينا خير، قال ابن عادل: وهذه عبارة غريبة أن تكون منقطعة لفظًا متصلة معنى وذلك أنهما معنيان مختلفان فإن الانقطاع يقتضي إضرابًا إما إبطالًا وإما انتقالا ثم إن فرعون اللعين ظن أن القرب من الملوك والغلبة على الأمور لا تكون إلا بكثرة الإعراض الدنيوية والتحلي بحلي الملوك ولذا قال: